السبت، 28 مارس 2015

حفيد أمير الحديبية يضع النقاط على الحروف: هذه قصة بناء وهدم وإزالة موقع مسجد شجرة بيعة الرضوان! ( 6 ـ 6 )

صورة نادرة لمسجد بيعة شجرة الرضوان في الحديبية. (مصدر: الإنترنت)



مكة المكرمة: عمر المضواحي

لم يشهد مكان في مكة قط جدلا وخلافا فقهيا يفوق ما شهده تحديد المناخ النبوي في منطقة وادي الحديبية. وخلال العقود الخمسة الماضية كان العلماء والفقهاء مختلفين بشكل حاد حول صحة تحديد الأمكنة النبوية في مناخه صلى الله عليه وسلم في الحديبية، بين منكر لموقع مسجد قديم كان يعرف بمسجد الشجرة التي بايع أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان، ونفي الصفة النبوية للبئر الحالية، وتحديد مكان عقد النبي صلى الله عليه وسلم لصلحه الشهير مع مشركي قريش في السنة السادسة للهجرة.

كانت الآراء على طرفي نقيض، وقودها مرويات متباينة من كتب الحديث والسير والمناسك، وكل طرف متمسك بسيف أدلته القاطعة، بعيدا عن إدخال أصحاب الاختصاص من علماء الآثار والتاريخ والجغرافيا لتقريب وجهات النظر بأسلوب علمي وعملي على أرض الواقع.

في العام 1399هـ حسم الامر، وتم تجاهل حقيقة المسجد القائم الذي يغلب على رأي الطرف الآخر أنه تم إنشائه منذ قرون مضت حسب مرويات كتب التاريخ وشهادات سكان المنطقة. وتم هدم المسجد وتسويته بالأرض، قبل أن ينجح الفريق الآخر بعد جهود مضنية في إعادة بناء المسجد من جديد في موقعه التاريخي.

غير أن أصحاب الفريق الأول، لم يركنوا للواقع واجتهدوا في تنفيذ مرادهم مرة ثانية، حتى  تمكنوا من الحصول على أمر جديد يقضي بإزالة المباني الجديدة للمسجد، وقبل أن تؤدى فيه صلاة واحدة. وتم طمس كل أثر ظاهر له في موقعه.

في وقت لاحق تم بناء مسجد (الشميسي) القائم حاليا على ناصية طريق جدة مكة القديم، ليكون مسجدا بمسجد سدا للذرائع، وحسما للجدل، ليسدل الستار على تلك القصة طوال العقود الماضية وفي شكل نهائي!.

في الحلقة الاخيرة من هذا التحقيق الموسع، رافقنا في جولة ميدانية اخيرة كلا من الشيخ عثمان بن نصير البركاتي الشريف، وابن عمه الشيخ محمد بن شرف البركاتي الشريف وهما أحفاد الشريف عبدالله بن ناصر البركاتي الذي كان أميرا على منطقة الشميسي (الحديبية) في نهاية عهد الأشراف، وفي بداية عهد الدولة السعودية الثالثة بعد دخول الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ الى مكة المكرمة.

شاهد عيان

الشريف عثمان بن نصير البركاتي حفيد امير الحديبية السابق.

لم يتردد الشريف عثمان بن نصير البركاتي (75 عاما) في وضع النقاط على حروف كل الأسئلة الغائبة عن أهم مواقع المناخ النبوي في الحديبية التي درج على مرابعها وعاصر كل تحولاتها، وشهد كامل التغييرات التي حدثت فيها خلال العقود السبعة الماضية من عمره المديد.

وكشف خلال جولة ميدانية في الحديبية رافقه فيها ابن عمه الشريف محمد بن شرف البركاتي (65 عاما) لأعضاء مبادرة معاد لتعزيز الهوية المكية جميع تفاصيل القصة والظروف التي واكبت تلك المرحلة التاريخية التي شهدت خلافا محموما حول مسجد الشجرة انتهت بإزالته وطمسّ كل أثر له منذ ذلك اللحين وحتى الآن.

الشريف شرف بن محمد البركاتي يستمع لنقاش الشريف عثمان
الشريف عثمان حسم كلّ الشكوك بتعيينه موقع مسجد الشجرة (بيعة الرضوان) الذي أزيل في أواخر العقد التاسع من القرن الهجري الماضي. وقال: إن مسجد "الشجرة" كان بناء صغيرا يقع بين السور الشمالي السابق للمقبرة وبين البئر تفصلهما مسافة غير بعيدة (بالمشاهدة اقل من 150 مترا تقريبا غرب البئر). مشيرا أن جده الشريف عبدالله بن ناصر توفي في العام 1360هـ ودفن في هذه المقبرة القديمة والوحيدة، وأنه سمع منه ومن قبله كابر عن كابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أناخ هنا (حول موقع المسجد المزال) في قصة صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة. موضحا أن جده كان يسكن هو وأولاده وأسرته فقط، ولم تتجاوز بيوتات الحديبية حينها 50 بيتا فقط.

حرص الشريف عثمان على قراءة الفاتحة على روح جده في مقبرة الحديبية القديمة.

المنع سدا للذرائع

وفسر الشريف عثمان البركاتي أسباب هدم المسجد القديم بقوله: نعرف جميعا أن الزيارة للمواقع الأثرية القديمة كانت ممنوعة. في السابق لم يكن يستطيع أحد ان يصل هنا لزيارة المسجد، وفي السنوات الأخيرة تغير الوضع، وباتت وتيرة الزيارات ترتفع حتى أصبحت الحديبية تستقبل حاليا أكثر من خمسين حافلة يوميا في موسمي الحج والعمرة.

مشيرا الى أنه في السابق كان يشاع بين الزوار القادمين من الخارج عن موقع الأطلال القديمة التي لا تزال باقية خلف المسجد الحالي بأنها مساكن أمهات المؤمنين الذين قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وأنهم كانوا يزورنه ويصلون فيها أيضا طلبا لبركة المكان حسب زعمهم.

أطلال المركز الأمني القريب للحائط الجنوبي لمسجد الشميسي القائم حاليا
وتذكر الشيخ عثمان قصة حدثت له مع وكيل أمارة منطقة مكة المكرمة الأسبق عبدالله الفايز بقوله: "طلبني الأخ عبدالله الفايز لتقديم شهادتي بعد ان وصلته آنذاك إفادة بأن هذا المكان (الأطلال القديمة) كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين يجلسون فيه، وأن الحجاج والمعتمرين كانوا يصلون فيه، ويأخذون منه حفنات من التراب طلبا للتبرك.

أضاف: أكدت يومها لوكيل الأمارة أن هذا المبنى يعود الى نحو 200 عام مضت، وأنه كان مركزا أمنيا للعسكر من ضمن المراكز المنتشرة على طريق الحاج القديم، وأنه بني في عهد الأتراك وكان يستخدم لأغراض أمنية فقط، وكلما تمر قوافل الحجاج ينفخون في البوص (صافرات) حتى يسمعهم المركز الآخر ليعلموا بأن قوافل الحجاج قادمة باتجاههم لحراستها، وهكذا حتى تصل القوافل الى مكة المكرمة.

مسجد السيدة عائشة في حي التنعيم (العمرة) بمكة المكرمة. (المصدر: إنترنت)

وأكد الشريف عثمان إن المسجد القائم حاليا حديث البناء، وتم بناءه مؤخرا على ناصية الطريق لم يمرّ عليه اكثر من 30 عاما تقريبا، حسب قوله. وعاد بذاكرته ليتحدث عن ملابسات هدم المسجد القديم بقوله: تم إزالة مبنى المسجد الصغير وتم إعادة بناءه على ذات النمط الخاص بمسجد التنعيم (السيدة عائشة رضي الله عنها) الحالي في حي العمرة، ولكن بثلث حجمه تقريبا.

أضاف: كان صديق والدي الشيخ عبدالله كعكي رحمهما الله هو مقاول مشروع إزالة مسجد الشجرة وإعادة بنائه في تصميمه الجديد لحساب وكالة الأوقاف التابعة سابقا لوزارة الحج في مكة والتي كان مديرها آنذاك السيد أمين العطاس رحمه الله.

وقال: بعد أن أنهى الكعكي بناء المسجد وقبل أن يتم تسليمه والصلاة فيه، جاءت الأوامر بإزالته فورا، فتم هدمه وقلعت قواعده الخرسانية وتم نقل أنقاضه وردمها خلف الجبال.

أضاف: في السنوات العشر الماضية بدأت أمانة العاصمة في تنفيذ  مشروع تسوير المقابر في مكة المكرمة، فتم تجديد سور المقبرة القديمة في الحديبية. وأذكر الى اليوم أنه كان بجانب السور القديم للمقبرة غرفة مبنية من الطين وبجانبها خزان ماء أثري وقديم تحت الأرض من عهد الأتراك كانت تستخدمه البادية للسقاية والوضوء للصلاة في مسجد الشجرة القديم.

بئر الحديبية محاطا بأسوار شركة محلية للمقاولات.

بئر المصنوع!

ويجيب الشريف عن سبب تسمية المنطقة بالشميسي بقوله أن ذلك نسبة لبئر قائمة على طريق الحاج القديم (جددها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن في العام 1363هـ) ويقال ان الذي بناها شخص اسمه شمسي فسميت المنطقة باسمه. لكن هذه البئر (الحديبية) أقدم منها وهي أقدم بئر في المنطقة بحسب ما توارثناه من أسلافنا في المنطقة.

فوهة بئر الحديبية وتبدو طيها بحجارة القاحوط المستخدمة في الرواق العباسي في الحرم الشريف.

أضاف: هذه البئر قديمة من عهد الدولة العباسية، تم تجديدها في عهد الأتراك، ولا أعرف إن كانت هي البئر النبوية أم لا، ما أعرفه أن اسمها كان "بئر المصنوع". وقيل أن الحجارة المطوية بها هذه البئر هي من ذات نوع الحجارة (القاحوط) المستخدمة في بناء الرواق العباسي القديم في الحرم المكي الشريف.

ويؤكد الشريف عثمان البركاتي أن الأرض التي أقيم عليها المستودع الحالي الذي يوجد بداخله بئر الحديبية "كانت ملكا لأبي لكن حدودها كانت تبدأ بعد أرض المقبرة والمسجد القديم والبئر التي لم يقربها احد طوال القرون الماضية. وأن والدي رحمه الله قام ببيعها الى الشيخ عمر بن شلحان الرويس رحمه الله، ولا أعرف ما تم بشأن ملكية الارض بعد ذلك".

ملف مسجد الشجرة المفقود!

خريطة توضح موقع البئر عن مسجد الشجرة والمسجد الحالي والمقبرة القديمة.

من جانبه قال الشريف محمد بن شرف البركاتي أنه من المؤكد أن جميع التراخيص والمخططات (الكروكي) الخاصة بمسجد الشجرة القديم (بيعة الرضوان) لابد وأنها محفوظة في ملف كامل لدى ارشيف وكالة الأوقاف التي كانت تتبع سابقا لوزارة الحج والأوقاف (تتبع الآن لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف) وأنه من الممكن معرفة كل شيء عن مسجد الشجرة قبل وبعد إزالته في ملفات الوكالة.

خلال الأسابيع اللاحقة، اجتهدت صحيفة مكة للحصول على أي معلومة بشأن ملف مسجد الشجرة في أرشيف وكالة الأوقاف. ولم نحصل إلا على شهادة مصدر واحد، رفض الكشف عن هويته، يزعم فيها أن أحد أقربائه كان يعمل في وكالة الأوقاف، وأنه ابلغه بأن ملف وثائق وخرائط مسجد الشجرة تم سحبه من أرشيف الوكالة بعد تنفيذ أمر هدمه وإزالته، ولم يعدّ له وجودا منذ ذلك اللحين. غير انه لم يقدم دليلا ملموسا يؤكد ذلك غير شهادته الموثقة!.

إطار 1


ما الجديد الآن في الحديبية؟!

صورة حديثة لبئر الحديبية بعد إزالة شبك معدني أقامته شرة المقاولات.
·       تقدم عدد من أهالي الحديبية بشكوى أمام الجهات المختصة ضد شركة المقاولات التي قامت بالتعدي على حمى بئر الحديبية ومنعت الوصول إليه، وأكدوا أنه لا يوجد صكّ ملكية للبئر، وطالبوا برفع التعدي عليه والسماح للمسلمين بالوصول إليه.

تجديد وصيانة بعض أسوار المقبرة القديمة في الحديبية.

·       تقوم أمانة العاصمة المقدسة بأعمال تجديد لأسوار المقبرة القديمة.

فرش أرضية الأطلال القديمة للمركز الأمني السابق برمال نظيفة.

·       تم تهيئة أرضية أطلال المركز الأمني القديم خلف المسجد القائم حاليا وتجديدها برمال جديدة لتتسع للمصلين والزوار خلال موسم العمرة الحالي.

إنشاء مشروع جديد في الحديبية لصالح البنية التحتية لخدمات توسعة المسجد الحرام.

·       بدون أي ترميم أو تجديد لأسبلة الملك المؤسس رحمه الله في الحديبية، تم رفع الساتر المعدني حول السبيل رقم 2 والواقع بعد نحو 5 كلم من علامات حدّ الحرم باتجاه مكة بعد انتهاء مشروع إنشاء خزان الماء تحت أرض الحديقة الصحراوية.

إزالة الساتر المعدني حول سبيل الملك المؤسس رقم 2 في الحديبية
بعد إنتهاء مشروع إنشاء خزان مياة أرضي وتركه من دون ترميم أو تجديد.
شكرا للمتابعة.. الى اللقاء!

هناك تعليق واحد:

شاكر ومقدر مروركم وتعليقكم